أشعر اليوم بتأنيب الضميـر ..
فها أنا أسير من المدرسة الى المنزل وورقة الدعوة لمجلس الامهات ممزقة في يدي ..
لا داعي لأن أريها أمي .. فهي أصلا ً لا تقرأ .. ولا داعي لحضورها أصلا ً !!
قطعت الورقة إربا ً أصغر ورميتها في الشارع والألم يغتالني ..
/
منذ أن دخلت المرحلـة المتوسطة وأنا أحاول بكل إستطاعتي أن لا ترى إحدى صديقاتي أو معلماتي أمي ..
لكني اليوم أشعر بتأنيب ضمير بشكل أشد ..
فقد فزت بمركز الطالبـه المثاليه على مستوى المدرسه .
وهذه أول مرة يتم تكريمي فيها في حفل الأمهات .. لكن أمي لن تحضر ..
أو بالأحرى !! .. لا أريدها أن تحضر ..
\
حين دخلت البيت كان الحزن والتوتر باديا ً علي ..
سألتني أمي بعطف ٍ ..
أمي _ مابك يا بنيتي ..!؟ هل أزعجك شيء ؟؟
" شعرت برغبـــة في البكـــاء .. لكنـــي تماسكـــت "
وقلت : لا شيء يا أمي , فقط متعبة قليلا ً من الدراسة ..
أمي _ الحمدلله .. إذا ً ارتاحي في غرفتك وأنا سأحضر لك الغداء هناك ..
قلت : شكرا ً أمي ولكني لا أريد .. نفسي "مسدودة " ..
أسرعت لغرفتي غيرت ملابسي وتوضأت وصليت , ثم استلقيت على سريري
يالله ما أجمل الراااحة .. الحمدلله
نظرت لغرفتي .. إنها مرتبـة .. كل شيء نظيف ..
مسكينة أمي .. حبيبتي .. إنها تتعب كثيرا ً من أجلـي ..
فرغم كبر سنها وعدم وجود خادمة تعينها إلا أنها تحاول قدر الامكان ألا تتعبني معها في عمل البيـت ..
رغم إصرار اخواتي المتزوجات عليها بأن ترغمني على العمل ..
/
أخذت أفكر ف حالي ..
كم أنا مغرورة ومتعجرفة !!!
إنها تفعل كل ذلك من أجلي .. وأنا .. أنا .. استحي منها وأخجل من أن تراها معلماتي وصديقاتي ..
يا ربي .!.
اشعر بصراع رهيب بداخلي ..صوت يقول .. حرام !! مسكينة أمك ..
لماذا تتنكرين لها هكذا وهي الأم الحنون . التي تحبك !
وصوت يقول لي .. لا !!
أنت على حق . لايمكن أن تراها صديقاتك ومعلماتك !!
أمك إنسانة مختلفة ! مسكينة تثير الشفقة والسخريه في نفس الوقت ..
أنظري لطريقة لباسها وكلامها ..
ومفرق شعرها اللامع وكحل الإثمد الذي تضعه حول عينيها !..
كيف سترينها صديقاتك اللاتي معظم أمهاتهم على قدر من العلم والثقافة والاناقة والمركز الاجتماعي !!؟
بالتأكيد سيسخرن منهااا ! وأنت لا تريدين ذلك !
\
في إحدى المرات عندما كنت في الصف السادس ..
أذكر أنها حين أتت للمدرسة سألت إحدي المراقبات والإداريات والمسؤولات عن الحضور والغياب ..
عني !
وإعتقدت أنها معلمه فأخذت توصيها بي وتسألها أن ترحمني لأني أدرس طوال الوقت في البيت !!.
وكدت أموت من شدة الحرج يومها حين رأيت الإداريه تمسك زمام ضحكتها على أمي المسكينـه .. >> آآآآخ يالقهرر تضحك على الام ..
وحين توجهت للتسجيل في المرحلة المتوسطة ..
أخذت تسأل المديره عما إذا كان من الواجب أن نلتزم بلبس " الياقه " البيضااء حول الرقبة .. مثل المرحلة الابتدائية ..
وهنا كدت اموت ايضا ً من شدة الحرج ..
/
آآآآآآه يا أمي ...
ليتك تعلمين كم أحبك .. وأحرج في نفس الوقت من تصرفااااتك ..
لاني اتمنى أن تكوني دائما ً أفضل الأمهات ولا أريد لأحد أن يسخر منك ..
أحيانا ً حين أنظر لامي اشعر بأنها مسكينة ...
فهي لم تشعر بالحب مررة واحدة في حياتها ..
فقد ولدت في بيئة قاسية .. ثم ترعرعت يتيمة وحيدة ..
وتزوجت وهي طفلـة لرجل مسن حاد الطباع هو أبي .. أنجبت منه إحدي عشر إبنا ً وإبنة ..
ورثوا منه حدة طبعه وعصبيته _ وأنا أصغرهم ..
وأنهك المرض والخرف جسم زوجها _ أبي .. فلم يعد يعي شيئا ً منذ دخلت أبواب المدرسة وفتحت نوافذ الحياة ..
وهي هي تعتني به حتى الآآآن رغم كبر سنهـــا ..
فمن أين يمكن أن تكون ذاقت طعم الحب !!
مسكينــة ...
ذات يوم قلت لها وهي جالسة على أرض المطبخ .. تقوم بتقنية التمر وغسله استعدادا ً لكنزه ..
قلت : يمه ..
امي: هلاا ..
( شعرت أني سأسألها سؤالاً قاسيا ً .. لكنه كان يدور في ذهني مدة طويلـة ..)
قلت : قد عشت ِ يا أمي طفولـه معذبة ..هل كان هناك من يحبك ويعطف عليك !!
( سكتت وأخذت تفكر كأنها صدمت بالسؤال .. سقطت حبتين من التمر من يديها .. ثم مسحت رأسها بجانبي ذرااعها ..)
وقالت ..: إيـه ... كانت هناك إبنة صغيرة من بنات عمي الذي رباني .. كانت تحبني وتعطف علي .وحين يضربني عمي او زوجته ويحرماني من العشاء ..
كانت تخفف من ألمي وبكائي وتعطيني بعض عشائها .. الله يرحمها كانت تحبني أكثر من أخواااتهااا ..
قلت : سبحان الله توفت ؟!
الأم : نعم .. توفت .. اصيبت بحمى شديدة بعد موسم المطر .. ثلاث أيام ثم توفت الله يشفع فيها ..
كان عمرها تسع سنين وانا عشر ..
قلت : وبعدين ..
الام : ماذااا !!
قلت : من أصبح يحبك ويعطف عليك بعدها !!؟
قالت : لا احد ..
قلت : لااا احددد !!!؟؟؟
(وقفت تفكر بصمود وبوجوم .. ثم تداركت بسرعة )
وقالت : طبعا ً .. لله يخلي لي " عيالي " وأبوهم إن شاء الله
( وحاولت ان تستمر في عملها انشغالاا ً عن هذا الحديــــــث )
/
في تلك الليلة أخذت أفكر .. أي معاناة عانتها أمي المسكيـنة في طفولتها ..
وأي حرمان من الحب عاشته في حياتها ..
ورغم ك ذلك الألم اللذي تجرعته ُ ..
فإنها قادرة وبكل سخاء على منح الحب والعطف للآآخرين مهما قسوا عليهااا ..
كم هي حقا ً إنسانة عظيمة تستحق التقديــر ..
وكم أنا غبيـه لا أفتخر بأم مثلهااا ..
وفي الصباح حاولت أن أخبرها عن حفل الامهات وأنه بعد يومين ..
لكني وجدت نفسي اتوقف !!؟ وأفكر في مسـألة الإحراج مرة أخرى ..
وفي مفرق الشعر .. ورائحة الحناء .. والحديث البسيط .. فأحجم عن مفاتحتها في هذا الأمر ,,
/
وفي المدرسـة :
وكأن الله أرادني أن أشعر بعظمة أمي ..
جائتني صديقتي نورة في الفسحـة وجلست بقربي مع الشلة دون ان تتحدث .. شعرت أنها تريد ان تقول شيئا ً ..
لا تستطيع قوله أمام البنات ...
قلت : نورة .. تقومين تتمشيــن ..
( قفزت نورة بسرعة .. وكأنها كانت تنتظر هذه الدعوه بفارغ الصبر .. وما إن بدأنا أن نبتعد عن البنات .. حتى بدأت تفضفض لي ما بصدرها المثقل )..
نورة : اني متعبة , متعبة جدا ً يا مريم .. أكاد أنهار من شدة الألم الذي في قلبي .. قلت : ماذا هناااااك ., خير إن شاء الله !؟
نورة : أمي ... أمي انها قاسيـه.. قاسيه جدا علينااا ..
تخيلي يا مريم .. إننا لا نراها ولا نكلمها الا نادرا ً .. ومع هذا فهي لا تواجهنا إلا بوجه متضايق غاضب جدا ً ...
قلت : لا ترونهااا !! كيف !!
نورة : أنت تعلمين انها تعمل .. وهي تقضي بقية اليوم في النوم وحضور المناسبات الاجتماعيه او الذهاب للنادي ..
لذا فإننا لا نراها ولا نكلمهاا الا قليلا ً .. وتكون متعبة ومتوترة ولا تريد أن تسمع لنا ..
( تركت نورة تكمل مشكلتها .. وانا منبهرة فقالت وهي تخنق عبراتها )
نورة : بالأمس تناقشنا في موضوع بسيط .. احتد النقاش بسبب توترها وغضبها ..
هل تعرفين ماذا قالت لي !!
لقد قالت انها لا تحبني ولا تطيقني .. بل إنها تكرهني وتتمنى لو تراني انا واأخوتي موتى أمامها لكي ترتاح من همنا .. تخيلي !!!!!!!!!!/
( صمت ......... وانا لا أزال مستغربة تماما ً ولا أعرف ماذا أقول فأكملت نورة حديثها وصوتها يرتجف بنبرة بكاء ) ..
نورة : مريم !.. تخيلي .. تقول انها تريد ان تراني ميتة امامها !!
لقد بكيت بالأمس .. بكيت ودعوت الله من كل قلبي ان اموت لاريحها بالفعل مني ..
وأتخلص من معاملتها القاسيـه ..
قلت : لا حول ولا قوة الا بالله .. استعيذي من الشيطان الرجيم يا نورة ..
بالتأكيد هي لا تقصد ذلك ..
..
وأخذت أهدئها وأنا أرى خيال امي الحبيبة الحنونة البسيطة ..
وأقارنها بأم نورة .. الدكتوره في الكليه .. المثقفة .. الانيقـة .. ولكن !!
الغير قادرة على اعطاء ابسط واجمل شيء .. وهو الحب !!
وفي يوم مجلس الامهات ..
قبضت على يد أمي في ساحة المدرسة وأخذت أعرفها على صديقاتي ومعلماتي بكل فخر ..
كنت أعلم انها امرأة بسيطة .. وغير متمدنة .. وقد تقول عباااراة مضحكــة ..
لكنها في نظري .. أعظم وأسمى و أشرف أم .. " يكفي أنها امي " ..وكفى /
[center]منقــــــــــــــول للاستفاده
شكرا لمرورك الكريم ..........