حتى تستثمر حياتك في الدنيا و الآخرة .. حتى تنجز أعمالا قد يراهـا الآخرون خيالاً انطـلق من ذاتـك و قدراتك ، واضعاً نصب عينيك أهدافك الواضحـة ، ومحددا طرق تحقيقها مستغلا كل الظروف المتاحة لك .. مسيطرا على نفسك ؛ كي لاتهزمك قائماً بجميع واجباتك .. حتى لا تضيع حياتك تجاوز المثبطات مهما كانت ، وحطّم العقبات مهما صعبت .. حتـى لا تضيع حياتك كان هذا الموضوع .
مميزاتك إيجابياتك :
معاذ بن جبل .. خالد بن الوليد .. عمرو بن العاص .. رجال أفذاذ ... صحابة كرام ، قدوات صنعوا تاريخ أمتهم .
ماذا يخطر ببالك عند ذكر هؤلاء ؟
معاذ بن جبل ِأعلم أمتي بالحلال و الحرام .. خالد بن الوليد سيف الله المسلول .. عمرو بن العاص الذكاء و الدهاء .. لم يبرز حسان بن ثابت بالقيادة العسكرية ، ولم يظهر خالد بن الوليد في الشعر ، ولم يكن عمرو بن العاص فقيها أولم يشتهر بالفقه !
إنها قدرات مختلفة و مواهب شتى... انتبه و هم صحابة كرام رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم فكل إنسان خلق الله له مواهب متنوعة و مميزات شتى ، وعلى الإنسان أن يكتـشف تلك المواهب ، وينطلق منها في حياته محققا أهدافه و صانعاً لمجد أمته .
و الآن : ما هي مميزاتك و مواهبك أنت ؟
ما الأمور التي تبدع بها ، و تستطيع أن تحقق بها ما يعجز عنه الآخرون ؟ هل تحب علوم و برامج الحاسب الآلي ؟ هل أنت خدوم تحب الأعمال التطوعية ؟ هل أنت صاحب جرأة أدبية ولسان مفوّه ممكن أن تصبح خطيباً بارعاً ؟
هل أنت ممن يتحلون بالصبر و الهدوء ؟ مميزات كثيرة لاشك أنك تتمتع بواحدة على الأقل و الواقع أكثر ؟ أنت إنسان خلقك الله سبحانه و تعالى فتتجلى عظمة الخالق في قدرات مخلوقة ومواهبه المختلفة.
و لا تنس مع ذلك أن بك عيوبا و سلبيات .. خجل .. ضعف ثقة بالنفس .. فوضى .. إلخ لابد عليك أن تتخلص من تلك السلبيات التي قد تفسد عليك تحقيق أهدافك أو بعضا منها .
كيف تحدد مميزاتك وعيوبك ؟
بعمـليتين بسيطتين: لاحظ نفسك .. اسأل غيرك : إن الكثير لايلاحظ نفـسه فلا يدرك ما يتميز به ، و لايعرف عيوبه إلا بعد فوات الأوان ! حاول باستمرار أن تلاحظ نفسك : ماذا تحـب ؟ ماذا تكـره ؟ متى تبرز و تتميز ؟ و متى تحجم وتنكمش ؟ و لماذا ؟ ثم اسأل من تثق به و برأيه خاصة ممن يهتمون بهذه الأمور و يحاولون مساعدة غيرهم بها فستجد آراء كثيرة تساعدك .
و لا تنكر عيوبك إذا سمعتها من غيرك و تخاصم و تجادل .. أنت حينئذ لن تجد من يدلي برأيه فيك . و إذا سمعت المديح و الرأي الإيجابي استفد منه ، و لا يمنعك التواضع الزائف أحيانا من وضع نفسك في المكان الذي تستحقه انتبه من ذلك . ستحتاج إلى اكتساب المميزات التي تحتاجها و تتخلص من عيوبك التي تعيقك .
قمم تحتاج إلى همم
قال الحسن البصري عن عمر بن عبد العزيز : " ما ظننت عمر خطا خطوة إلا و له فيها نيـة " تأمل أخي في هذا الوصف لعمر ، لم يخط خطوة إلا و له هدف منها ، و الهدف هنا أجلّ و أسمى هدف و هو نيته لله تعالى ، و لاشك أن المسلم هدفه الأعلى هو رضى الله سبحـانه .. فكل الأهداف الأخرى لابد أن تندرج تحت هذا الهدف ، وإلا ستكون أهداف دنيوية بحتة قد تنفعه في الدنيا فقط .
هل وضع الأهداف مهم ؟
قد يتساءل البعض : هل عليه أن يضع أهدافه ؟ و البعض يتشدق بأن من قبلنا عاشوا دون أن يفكروا بهذه الأمور ، و هذا و لاشك تفكير غير موضوعي ، و قد يقوله بعض ضعاف النفوس ، و الذين تعودا أن يسيروا بالبركة .. فهؤلاء لن يصنعوا تاريخاً ، و لن يستثمروا حياة الرسول صلى الله عليه و سلم الذي كان يوضح الطريق ماذا حدث في غزوة الخندق عندما حفر الصحابة رضوان الله عليهم ثم استعصى عليهم تكسير حجارة ضخمة قاسية لنعش تلك الأحداث لنتصور الموقف المدينة مهددة .. العدو بعتاده و عدده الذي جاوز العشرة آلاف .. الكل يترقب .. و يأتي الرسول أتخيله و هو رافع يده يهوي على تلك الصخرة و الصحابة يترقبون فينكسر جزء منها ، و يقول الرسول عليه الصلاة و السلام : "الله أكبر أعطيت مفاتيح كسرى و إني أرى قصورها البيضاء " ثم يبشرهم بفتح الروم بعد فارس ثم اليمن .
أليست هذه نظرة بعيدة من الرسول صلى الله عليه وسلم و أهداف سامية لنشر الإسلام .. فالرسول يعدّ العدة ، ويوضّح للصحابة مع تبشيرهم بأن ليس الهدف مجرد الدفاع عن المدينة و عن أهلها ، لكنه العمل لأجل هذا الدين هناك أهداف جسام أعدوا أنفسكم لها .. إنها أهداف كانت في بال الرسول صلى الله عليه و سلم .
وفي صلح الحديبية تذكر أخي الكريم شروط الصلح ظاهرها الضرر للإسلام و المسلمين حتى أن عمر بن الخطاب - وهو عمر - تأخذه الحمية لهذا الدين فيقول : علامَ نعطي الدنية في ديننا أو لسنا على الحق ؟ فيبرز بعد ذلك حسن التخطيط النبوي ، وتظهر المصالح كلها للمسلمين في هذا الصلح والأمثلة في ذلك كثيرة جدا .. ومن أراد فليرجع إلى السيرة و ليتمعن في أسباب هجرة الرسول و بحثه عن موضع ينصر فيه ، و سبب الهجرة إلى الحبشة فسيرى أن هناك أهداف مرسومة ، وخطط مدروسة ، فاز و فلح من تدبرها و سار على نهجها .
بعد هذه المقدمة التي أحببت أن أبدأ بها هذا المقطع أنتقل معك أخي القارئ إلى كيفية تحديد الأهداف :
لن أذكر هنا شروط وضع الأهداف من إلزامية إمكانية قياسها و تحديد زمنها - قد أذكر بعض ذلك ضمنا- و لكنها مجرد خطوط عريضة فالموضوع الأصلي ليس عن الأهداف و ممكن أن ترجع أن أردت الاستزادة في تحديد و شروط وضع الأهداف إلى الكتب أو الدورات التي تتحدث عن هذا الموضوع .
1- احذر أن تفعل عمل دون هدف ستتعود على ذلك:
حاول دائما أن تجعل لعملك هدف أو أهداف محددة مثلا ستخرج مع أسرتك في رحلة و أنت تعلم أن هناك مشكلة في أحد أبنائك من الممكن أن تجعل هدفا لهذه الرحلة معالجة هذه المشكلة ثم ترتيب الأساليب المناسبة لتحقيق هذ الهدف .
2- مراعاة إمكاناتك و قدراتك :
رجعة إلى إيجابياتك سلبياتك ، شخصيتك قوتها.. ضعفها أمور راعها و أنت تكتب أهدافك .
3- تحديد الأولويات :
عند تحديد الأهداف لابد من مراعاة الأولويات الأهم فالمهم فلا تهدف إلى حفظ القرآن و أنت تجهل بعض أساسيات علم الفقه في الصلاة و الطهارة .
4- اربط جميع أهدافك صغيرها و كبيرها بالآخرة .
5- ضع خطة لبلوغ أهدافك :
يفضل الكثيرون من أهل الاختصاص في علم الإدارة و غيرهم أن تكون مكتوبة .
و الخطة ببساطة دون تفاصيل أن تكتب الأهداف - وسائلهـا - الفترة الزمنية المتوقع لإنجازها .
تخيل حياتك بعد عشر سنوات بأهدافك ثم تخيلها بعد عشر سنوات دون أهداف أربع لاءات احذرها :
" لاتستصغر نفسك أبدا " وهذه خاصة للشباب الناضج الطموح ألا تذكر قصة عبد الله بن عباس عندما أراد ان يطلب العلم على يد الصحابة الكبار ؟ و كيف كان ينتظرهم عند عتبة بيوتهم و الرياح تسفه ، لم يثنيه ذلـك عن تحقيق هدفه في الوصول إلى مراتب عليا في العلم و الطـلب حتى تجمعوا عليه الناس و احتاجوا إلى علمه فلا تستصغر نفسك بل أنت كبير بأعمالك ، لا تستهين بقدراتك هل سمعت بقصة هيلين كيلر .. تلك المؤلفة التي كانت لا ترى و لا تسمع و لا تتكلم و مع ذلك أصبحت مؤلفة يشار لها بالبنان ! كيف تغلبت على إعاقتها ؟ كيف استطاعت فعل ما عجز عنه الأصحاء ؟
إنها الإرادة التي تقهر الضعف و تكسر العجز . هذا مثال و احد و الأمثلة كثيرة على ذلك و المقام لايسمح بالتفصيل و لكن بإمكانك أن ترجع إلى الكتب التي اهتمت بقصص المعوقين الناجحين وهم كثر في تاريخنا الإسلامي .
فلا تستهين بقدراتك اعرف لنفسك قدراتهأ وثق بها لاتجعل سلبياتك تعيقك البعض ينظر إلى عيوبه و ماينقصه فتكون عائقا للوصول إلى مبتغاه ماذا كان عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة ، وكيف أصبح بعدها .. كان مترفا يلبس أفخر الثياب مسرفا على نفسه ثم بعد أن شعر بمسؤوليته عند تولي الخلافة أصبح الخليفة الزاهد ، بل لقّب بخامس الخلفاء الراشدين ..
فدع عيوبك وراء ظهرك ، و انطلق بأهدافك السامية ، معالجاً عيوبك مهما كانت .. فلا تجعل سلبياتك تعيقك .. كن إيجابيا دائما ، لاتعش في فـوضى ، رتب أوقاتك ، نظـم حياتك أوراقك أعمالك ، لاتترك شيئا للصدف ..
وسبع فاعملها دائما :
1- اكتب قائمة بما تريد تنفيذه ، وحدد الأهم فالمهم ، لاتستهين بهذا الأمر جرب و لن تخسر شيئا .
2- راجع في كل آن الأوقات الكـثيرة التي تضيع دون فائدة . صباح الإجـازت - الانتظار في المستشفى - أوقات الملل والفراغ .. إلخ
3- خصص وقتاً كافياً لتطوير نفسك - دورات- محاضرات- أشرطـة .
4- ابدأ على قدر ما تستطيع من صلاة الفجر ( بورك لأمتي في بكورها ) ، اكتب راجـع خصص بكر سيطر على نفسك ، قد يضع المرء أهدافاً ووسائلاً ، ويخطط كما ينبغي ، ثم يضعف و تسيطـر عليه نفـسه ثم يمل .
5- انتبه من عدو النجاح التسويف عجل بالعمل فالعمر يمضي والزمن يجري .. تذكر كم من أعمال سوّفتها فمضى الزمان ولم تحقق منها شيئا !
إذن فالبدار البدار ، و لا تؤجل ما تستطيع فعله اليوم إلى الغد .
ما هذه الفكرة الغبية ؟ متى يمكنك تحقيق ذلك ؟ لا يمكنك ! مستحيل ! هذه بعض ما قد تسمعه من البعض تحبيط .. استهزاء .. تثبيط .. وغير ذلك الكثير .
سينتقدك البعض الآخر ويسفهون آراءك .. سيتكلم عليك غيرهم ولن يعجبهم تصرفاتك لا عليك من ذلك كله بل استفد منه وانطلق مع قناعاتك نظرتك إلى أهدافك .. سيصيبك الملل .. ستغلبك نفسك أحياناً .. ستشعر بالسآمة .. فتذكر حلاوة الإنجاز و لذة الانتصار على النفس و استشعر نجاحات غيرك .. ولاتنس أن تروح عن نفسك .
6- كن واثقاً بنفسك وابعد عنك جميع الإيحاءات السلبية أنا لا أقدر .. لا أستطيع .. لا يمكن .
7- و أخيراً لا تحمل نفسك ما لا تطيق . أخي القارئ .. بعد هذه الجولة السريعة و الوقفات الخاطفة . آمل أن تستثمر حياتك وقدراتك و أن تكون ممن يصنع تاريخ أمته ، و ألخّص لك هنا ما سبق ذكره .
لكي لا تضع حياتك قم بواجباتك الشرعية .. أدِّ حقوق أهلك .. حدد ميولك وقدراتك ولا تنس عيوبك ضع أهدافك النبيلة واسع لبلوغها